طبيعة عمل المحامي:

طبيعة عمل المحامي:
في الواقع إن عمل المحامي يدور في فلك العقود الواردة على العمل ولا يخرج عن إطارها فحسب طبيعة المهمة المطلوب من المحامي أدائها يكون يكيف العقد الذي يعقده العميل مع المحامي مع استبعاد الفضالة دوماً فعمل المحامي مصدره العقد وكما هو معلوم فإن أساس الفضالة هو العمل المادي فقط.
ولفهم طبيعة عمل المحامي يجب تحليله فعمل المحامي ليس متجانساً فهو إضافة إلى مهمة تمثيل الموكلين أمام القضاء يقوم بتقديم المشورة القانونية الخطية أو الشفهية ولا يوجد في القانون ما يمنع ذلك يقتضي في الأعمال المادية التي يقوم بها المحامي وتدخل ضمن حدود عقد العمل لا عقد الوكالة تعيين نسبتها إلى مجموع الأعمال ليتعين على ضوء النسبة مقدار التعويض وسأبحث في كل مهمة على حدا وفيما بعد سأبحث في صفة المحامي المتمرن ومن ثم في طبيعة عمل بقية المحامون الذين ورد اسمهم في الوكالة.
المحامي ممثلاً للخصوم في الدعاوى:
عقد الوكالة بالخصومة هو عقد قديم ومعروف وبحث فيه فقهاء المسلمين واتفقوا على جوازه واختلفوا على شروط صحته.
وقد سئل فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين – رَحِمَهُ اللهُ – عن العمل بالمحاماة ، وأنه قد يعرض الإنسان لمناصرة الشر والدفاع عنه ؛ لأن المحامي يريد البراءة مثلاً للمذنب الذي يدافع عنه … إلخ
فأجاب : المحاماة مفاعلة من الحماية إن كانت حماية شر ودفاع عنه فلاشك أنها محرمة ؛ لأنه وقوع فيما نهى الله عنه في قوله تعالى :  وَلاَتَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ  ، وإن كانت المحاماة لحماية الخير والذود عنه فإنها حماية محمودة مأمور بها في قوله تعالى :  وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى  ،
فمنه ومن الرجوع لكتب الفقه نجد أن العقد مع المحامي لتمثيل الخصوم هو عقد وكالة وليس مقاولة ولا يجرح ذلك القول بأن المحامي مستقل في تنفيذ ما أوكل به وهو بذلك يقترب من المقاول ويرد على ذلك بان طبيعة عمل المحامي في تمثيل موكله تفرض عليه لتنفيذ مهمته استقلالاً في تصرفاته اختيار الطرق الملائمة للدفاع عن موكله والمقاول مضارب وهو معرض للربح والخسارة أما المحامي فيستحق كافة المصاريف التي انفقها لحساب موكله إضافة إلى أن المقاول يعمل باسمه ولا ينوب عن رب العمل مقاول التفريغ لا يعد نائبا عن المرسل إليه في استلام البضاعة إلا إذا كان موكلا عنه في استلامها أما المحامي فيعمل باسم ولحساب موكله كما أن أثار تصرفات المحامي تنصرف إلى موكله أما أثار تصرفات المقاول فتنصرف إليه كما يسند للمقاول عمل مادي إن اقتصار عمل المعتمد التجاري على الأعمال المادية يكفي لنفي الوكالة الحقيقية والظاهرة عنه أما عمل المحامي في تمثيل الخصوم فهو تصرف قانوني دون أن يؤثر في ذلك الأعمال المادية التي يقوم بها لنفذ التصرف القانوني فقد تتضمن مهمة الوكيل أعمالاً مادية مثل مطالبة المدين بالدين والسعي إليه لكن هذه الأعمال المادية هي من متممات التصرفات القانونية المسندة إلى الوكيل ولا تنفي هذه الأعمال أن مهمته الرئيسية هي قبض الدين.
وأما القول بأن عمل المحامي في تمثيل الخصوم هو عقد عمل فيرد عليه بأن العامل يخضع لإشراف رب العمل وتبعيته فهو يعمل بتوجيهات مباشرة منه أو ممن ينوب عنه لا من حيث الإشراف العام فقط وإنما من حيث التنفيذ أيضاً لتحديد طريقة العمل وزمانه ومكانه ولا يملك العامل مخالفة توجيهات رب العمل تحت طائلة تعرضه للإجراءات التأديبية المنصوص عليها في قانون العمل أما بالنسبة للوكيل فإنه وإن كان يفترض فيه خضوعه لأوامر وتوجيهات موكله إلا أنه يحتفظ بحريته واستقلاله في قيامه بالمهمة الموكلة إليه.
ويكون عمل المحامي مقترباً من عقد العمل في حالة الموكل الذي يوجه وكيله في كل صغيرة وكبيرة ولا يترك له مجالاً للاجتهاد والرأي الشخصي ونلاحظ عدداً كبيراً منهم في حياتنا العملية فمن الموكلين من يقومون بكتابة المذكرات وإعداد الدفوع ولا يكون دور المحامي سوى مراسلاً بينهم وبين المحكمة إذا كان على الوكيل التزام تنفيذ الوكالة في حدودها المرسومة وعدم الخروج عنها, فان هذا التقييد لا ينفي عنه صفة الوكيل ما لم يصل التقييد إلى درجة حرمان الوكيل من كل حرية بحيث يكون ملزما بتنفيذ التعليمات حرفياً .
المحامي مشاور قانوني:
قد يطلب من المحامي تقديم استشارة قانونية شفهية أو كتابية (العقود) وهذا الاستشارة تقترب من عقد المقاولة أكثر من اقترابها من عقد الوكالة فالمحامي ملزم هنا بتقديم جهده لقاء أجر متفق عليه ولا يمكن تصنيف هذه العلاقة على أنها علاقة عمل بسبب أن المحامي مستقل في رأيه في تقديم المشورة وليس تابعاً لطالب المشورة ولا يخضع لتوجيهاته فمثلاً لا يستطيع المحامي كتابة عقد مخالف للنظام العام كعقد بيع يخفي رهناً أو عقد بيع بالوفاء أما العامل فلا يملك إلا إتباع توجيهات رب عمله.
صفة المحامي المتمرن وعلاقته بموكله:
نصت المادة 665 من القانون المدني السوري على (الوكالة عقد بمقتضاه يلزم الوكيل بأن يقوم بعمل قانوني لحساب الموكل0) ومن تعريف المادة لعقد الوكالة نجد الوكيل هو ملتزم بموجب عقد بالقيام بتصرف قانوني لحساب موكله لكن قد يمنع الوكيل من القيام بالتصرف أساساً لتخلف أهلية معينة يطلبها القانون في شخص الوكيل ومنها حصر تمثيل الخصوم أمام القضاء بالمحامين فعلى من أراد التوكل لتمثيل شخص أمام القضاء أن يكون محامياً ولا خلاف على ذلك في حالة التعاقد مع المحامي الأستاذ.
أما التعاقد مع المحامي المتمرن فهنا يخضع لعدة حالات متشابكة:
الأولى- أن المحامي المتمرن توكل باسم أستاذه في الدعاوى التي لا يحق له الترافع فيها باسمه: وفي هذه الحالة لا أرى وجهاً لتقاضي المحامي الأستاذ أتعاباً من موكل مدربه لعدم وجود عقد بينهما إضافة إلى أن المحامي المتمرن ممنوع من الترافع باسم أستاذه فقط وليس ممنوعاً من التوكل بالدعاوى باعتبار ما أسلفنا من أن الوكالة هي عقد ولا يفيد المنع الموجه للمحامي المتمرن من تنظيم وكالة بدائية باسمه على أنه يمنع المحامي المتمرن من التعاقد على تمثيل الخصوم أمام المحاكم البدائية ولذلك أساس هو: إن الأصل حرية التعاقد والمنع يفسر في أضيق حدوده كونه استثناء مادة 27 – تنظيم مهنة المحاماة – لا يجوز للمتمرن أن يفتح مكتبا باسمه ولا أن يرافع إلا باسم من يتمرن في مكتبه ماعدا القضايا الصلحية تحت طائلة الشطب. فالقانون لم يمنع المحامي المتمرن من قبول التوكيل في الدعاوى غير الصلحية بواسطة أستاذه بل ونص القانون على جواز التوكل بالواسطة في المادتين 13 و 14 من قانون تنظيم مهنة المحاماة مادة 13 – تنظيم مهنة المحاماة – يحظر على المحامي الذي يتولى عضوية المجالس العامة من تشريعية أو بلدية أو إدارية قبول الوكالة بنفسه أو بواسطة شريكه أو أي محام يعمل لحسابه ضد المجالس التي يشترك فيها أو الدوائر التابعة لها، خلال مدة عضويته ولمدة خمس سنوات لاحقة على انتهاء هذه العضوية تحت طائلة الشطب حكما.
مادة 14 – تنظيم مهنة المحاماة – لا يجوز لمن تولى وظيفة عامة أو خاصة أو كان مشاورا حقوقيا لجهة ما وترك العمل أن يقبل الوكالة بنفسه أو بواسطة شريكه أو أي محام أخر يعمل لحسابه في دعوى ضد الجهة التي كان يعمل لديها، كما لا يجوز أن يعمل مشاورا حقوقيا ضد تلك الجهة أو لدى أية جهة كانت لها علاقة مباشرة بعمله الأصلي، وذلك كله ما لم تمض خمس سنوات على انتهاء عمله لدى الجهة المذكورة تحت طائلة الشطب من الجدول حكما.
فمنع المحامي من التوكل ضد جهات معينة بنفسه أو بواسطة غيره وبمفهوم المخالفة فلا يوجد مانع من توكل المحامي في الدعاوى بواسطة زملائه أو شركائه أو محامين يعملون لحسابه.
الثانية – المحامي المتمرن توكل في الدعاوى التي يحق له التوكل بها وتلقى مساعدة وإشرافاً من أستاذه: نلاحظ هنا أن المحامي المتمرن توكل باسمه وترافع في الدعاوى باسمه وقام أستاذه في مساعدته في الدعوى بدراستها أو إعداد الدفوع فيها ويدخل ذلك ضمن إطار واجب الأستاذ تجاه مدربه ولا يحق للمحامي الأستاذ أن يطلب أجراً من موكل مدربه على هذا العمل.
الثالثة – أن المحامي المتمرن يحق له الترافع في الدعوى باسمه لكنه اختار الترافع باسم أستاذه وهنا تنطبق الحالة ضمن نص المادة 674 من القانون المدني والتي تنص على حالة تعاقد الوكيل الأصلي مع وكيل ثانوي لتنفيذ المهمة الموكلة إليه ويكون للمحامي الأستاذ طلب الأتعاب.
طبيعة عمل المحامون المقيدة أسمائهم في الوكالة:
كما أسلفنا أن الوكالة هي عقد يتم من إيجاب وقبول وإن مجرد ذكر اسم المحامي في سند التوكيل لا يعني أنه قيام عقد الوكالة فعلاً بل لا بد من تصرف قام به الوكيل لحساب موكله فإن ذكر اسم المحامي في سند التوكيل ولم يقم عقد بينه وبين موكله ولم يأتي المحامي بأي تصرف لصالح الموكل فلا يعد وكيلاً إن الوكالة عقد لا يتم إلا بقبول الوكيل. فإذا لم يثبت هذا القبول من عمل الموكل انتفت الوكالة لأن مجرد صدور التوكيل لا يثبت قيام الوكالة أما إن قام بتصرف لصالح موكله فهنا يعتبر ذكر اسمه في سند التوكيل هو إيجاب وتم القبول ضمناً بقيام المحامي بالتصرف الموكل به يبنى عقد الوكالة على الإيجاب والقبول بين الموكل والوكيل للاتفاق على بنودها وعليه فيكون المحامي (الوكيل الأصيل) الذي أبدى قبولا بالتوكيل صراحة وأضاف اسم محام أخر دون علمه إلى الوكالة ولم يقم المحامي الذي أضيف اسمه إلى الوكالة بأي عمل قانوني للشركة بموجب هذه الوكالة أو بقبض أتعاب منها الوكيل في عقد الوكالة فقط , لان مجرد تنظيم وكالة عامة باسم محام لا يعني إبرام عقد الوكالة وإنما هو إيجاب من الشركة الموكلة يحتاج إلى قبول من المحامي لإبرام العقد الأمر الذي لم يتم من جانب المحامي الذي أضيف اسمه وعليه يكون هذا العقد بمثابة تصرف انفرادي من الشركة تسري عليه الأحكام الخاصة بالعقود إلا ما تعلق منها بضرورة وجود إرادتين متطابقتين لنشوء العقد , مما يوجب منع نقابة المحامين من مطالبته بالغرامة المنصوص عليها في قانون نقابة المحامين والمترتبة على إشعار النقابة بوجود التوكيل وعدم دفع الرسوم المتحققة عليها .
وهنا يستحق المحامي أتعابا عن عمله هذا.

This entry was posted in قانون, غير مفهرس. Bookmark the permalink.

Leave a comment